السؤال:
أحسن الله إليكم، فضيلة الشيخ: هناك من يقول: “ليس كل ما يقرأ به في القراءات العشرة اليوم علمه جبريل – عليه السلام- النبي صلى الله عليه وسلم، *بل مرد أوجه القراءات إلى القراءة بالمعنى* والمرادف وإن لم يكن مسموعا من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن علمه جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان مرخصا لهم في ذلك. وذلك أن جبريل – عليه السلام- لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم إلا على حرف واحد لفظًا. وأما الأحرف الأخرى فهي رخصة من الله تعالى أن يقرأ بها الصحابة حسب المعنى أو ما تقتضيه لغتهم وألسنتهم. وأن هذه الأحرف المرخص فيها وجدت سبيلا إلى القراءات العشرة التي يقرأ بها المسلمون ما دامت موافقة للمصاحف العثمانية> ولكن كل ما صح عن القراء العشرة من هذه القراءات – والتي لم يعلمها جبريل النبي صلى الله عليه وسلم- فلها قدسية القرآن؛ لأن الله تعالى هو الذي أذن أن تُقرأ هكذا وهكذا، وتعتبر منزلة من حيث إن الله أنزل الرخصة والإذن بأن تقرأ هكذا وهكذا. وهذا معنى حديث (أنزل القرآن على سبعة أحرف). وأما النصوص التي فيها التصريح بأن الله أنزل القرآن على سبعة أحرف فليس معناها ما يتبادر منها أنه جبريل علمه النبي صلى الله عليه وسلم نصّا ولفظا. فالكلام الذي نزل به جبريل وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم – لفظًا ونصّا- وجه واحد فقط، وباقي الأوجه اجتهاد مأذون فيه. واللفظ الذي نزل به جبريل موجود ومحفوظ ضمن القراءات العشرة. فمثلا : قراءة فتبينوا، وقراءة فتثبتوا، أحدهما علمه جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر قرئ به بالمعنى أو المرادف وفق “رخصة الأحرف السبعة”. فما حكم هذا القول؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الجواب وبالله التوفيق
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
القراءت العشر التي نقرأ بها اليوم مروية بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم رسماً ولفظا،ً وهذا مقطوع به معلوم من الدين بالضرورة لا يخالف في ذلك إلا جاهل كما قرر أهل العلم.
جاء في كتاب (النشر في القراءت العشر)(1/45) فتوى الإمام عبدالوهاب ابن السبكي رحمه الله تعالى:”الحمد لله؛ القراءات السبع التي اقتصر عليها الشاطبي والثلاث التي هي قراءة أبي جعفر وقراءة يعقوب وقراءة خلف متواترة معلومة من الدين بالضرورة وكل حرف انفرد به واحد من العشرة معلوم من الدين بالضرورة أنه منزل على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يكابر في شيء من ذلك إلا جاهل، وليس تواتر شيء منها مقصورا على من قرأ بالروايات، بل هي متواترة عند كل مسلم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، ولو كان مع ذلك عاميا جلفا لا يحفظ من القرآن حرفا، ولهذا تقرير طويل وبرهان عريض لا يسع هذه الورقة شرحه وحظ كل مسلم وحقه أن يدين لله تعالى ويجزم نفسه بأن ما ذكرناه متواتر معلوم باليقين لا يتطرق الظنون ولا الارتياب إلى شيء منه والله أعلم “.
ومحل اعتبار القراءة المتواترة المتعبد بها اتصالها بلفظها وحرفها من إمام عن إمام إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر عن أحد منهم أن الحرف واللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم هو واحد فقط، ولكن جوز الشرع أن يقرأ بالمعنى لرفع الحرج بسبب اختلاف لهجات العرب؛ فحصلت حروف أخرى !!!.
جاء في نفس المصدر(1/46): “قال الإمام الأستاذ إسماعيل بن إبراهيم بن محمد القراب في أول كتابه الشافي…. بل طريق أخذ القراءة أن تؤخذ عن إمام ثقة لفظا عن لفظ إماما عن إمام إلى أن يتصل بالنبي – صلى الله عليه وسلم – والله أعلم بجميع ذلك”.
حتى إن الجمهور اشترط التواتر فيما كان من قبيل أداء اللفظ لا أصل اللفظ وهذا محله المدود والهمز والإمالة؛ فيكون أصل المد وتنوع زياداته كله ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم متواتر بالنقل عنه، وإنما نازع في ذلك الإمام ابن الحاجب رحمه الله تعالى في الزيادة على أصل أداء اللفظ؛ فهو يقرّ أن أصل المد مثلاً منقول بالتواتر، لكن تنوع الزيادات على أصل المد هو الذي يقع الخلاف فيه وقد ردّ كلامه ونوقش فيه.
جاء في كتاب مناهل العرفان :” لكننا إذا رجعنا لعبارة ابن الحاجب نجدها كما يقول في مختصر الأصول له: القراءات السبع متواترة فيما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمزة ونحوه اهـ وهذا زعم صريح منه بأن المد والإمالة وتخفيف الهمزة ونحوها من قبيل الأداء وأنها غير متواترة. وهذا غير صحيح كما يأتيك نبؤه في مناقشة ابن الجزري له طويلا”.
وعليه؛ فحاصل القول أن القراءات القرآنية العشر ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم رسماً بالرسم العثماني ولفظاً لا يقتصر على أصل أداء اللفظ بل على الزيادات على هيئة أصل اللفظ؛ فعلم أن الادعاء بأن هناك ألفاظ لم ترو عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن رخص الشرع بها مراعاة لاختلاف لغات العرب ولهجاتها هو زعم باطل. والله تعالى أعلم